مقال مستوحى من عبارة قالها أستاذي ومعلمي معالي السفير الدكتور عبدالعزيز الرقابي – السفير السعودي بدولة موريتانيا، حفظه الله.
بقلم: المستشار حسن رضوان
في زمن ازدحمت فيه القلوب بالخصومات، وتقطّعت فيه كثير من أواصر المحبة لأسباب عابرة، تشرق في أذهاننا عبارات تصنع الفرق، وتُذكّرنا بجوهر العلاقات الإنسانية الأصيلة، ومن بين هذه العبارات التي وقفت عندها طويلًا:
“امسح الخطأ لأجل الأخوة، ولا تمسح الأخوة من أجل الخطأ، وعندما تتعرض لإساءة فلا تفكر بأقوى رد بل فكر بحفظ الود.”
وهي كلمة استقيتها من معالي السفير الدكتور عبدالعزيز الرقابي، حفظه الله، الرجل الذي لا يكتفي بتمثيل بلاده في الخارج، بل يمثل قِيَمَها الرفيعة وأخلاقها النبيلة.
الود لا يُكسر بزلة
كلنا نخطئ، ومن الطبيعي أن تصدر منّا كلمات غير مقصودة، أو مواقف غير محسوبة. لكن الأهم من ذلك هو: كيف نُدير هذا الخطأ؟
هل نُضخّمه ونحوّله إلى قطيعة؟
أم نمسحه بفضلنا، وبحجم ما كان بيننا من ود وأخوة ومواقف لا تُنسى؟
الحياة أقصر من أن نُراكم فيها الخصومات، والمحبّة أثمن من أن نُقايضها بردود أفعال غاضبة، خاصة إذا كان بيننا تاريخ طويل من الود، أو حتى لحظة صفاء واحدة تستحق أن تُحترم.
قيمة العفو عند الكرام
قال تعالى:
{ولا تنسوا الفضل بينكم} [البقرة: 237]
وما أجمل هذا التوجيه الإلهي الذي يُعلّمنا أن نُبقي على الجميل، حتى بعد الخلاف، وأن لا ننسى الخير الذي كان، وإن بدا لنا اليوم ما يخالفه.
والعفو عند المقدرة ليس فقط خلقًا، بل هو رفعة.
والذين يملكون قلوبًا كبيرة لا يسألون: “من بدأ الخطأ؟”، بل يسألون: “من يحفظ الأخوّة رغم الخطأ؟”.
الإساءة لا تُواجه بالإساءة
حين يُساء إلينا، كثيرًا ما يهمس فينا صوت الانتقام:
“علّمهم درسًا!”
“أرهم أنك لا تُهان!”
لكن هناك صوتًا أعلى، وإن كان أهدأ:
“احفظ الودّ، أنت أكبر من الموقف.”
“اعفُ، فأنت لا تخسر شيئًا حين تختار الكرامة.”
ولا ننسى أن أقوى الردود ليست تلك التي تُوجع، بل التي تُدهش، وتعلّم، وتُبقي مساحةً للرجوع.
شكرًا لمن علّمني الكلمة والموقف
أجدد شكري وتقديري لمعالي السفير الدكتور عبدالعزيز الرقابي، السفير السعودي في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، الذي ما زال بعلمه، وخُلُقه، وتواضعه، يُلهمنا كيف نكون كبارًا في كل شيء: في تمثيلنا، في أخلاقنا، في مواقفنا، وفي ردودنا.
كلماته ليست مجرّد حروف، بل هي مدرسة في ضبط النفس، وإكرام الإخاء، وإحياء العلاقات التي لا تستحق أن تُدفن تحت ركام خلاف عابر.
وأخيرًا..
امسح الخطأ إن استطعت، وذكّر غيرك بالفضل إن نسي، واصنع من كل خلاف فرصةً لسموّ نفسك لا لهدم علاقة.
ولا تنسَ أبدًا أن حفظ الود لا يُجيده إلا الكبار.
والله يحبّ المحسنين